الخميس، 20 أغسطس 2009

من يتحدث باسم الإسلام؟ -عرض محمد طلبة





المسلمون ناس شأن غيرهم من الناس الذين يسعون في الأرض، بشر طبيعيون وأسوياء لهم أحلامهم المشروعة، ولهم فضائلهم وقيمهم الأخلاقية، ولهم عقولهم التي تمكنهم من التمييز بين الأصدقاء والأعداء، ثم إن الأصل فيهم هو التوازن والاعتدال في حين أن التطرف والإرهاب من الظواهر الاستثنائية والشاذة في حياتهم؛ شأنهم في ذلك شأن بقية المجتمعات الإنسانية في أنحاء الكرة الأرضية. بهذه العبارة لخص الكاتب الكبير فهمي هويدي رؤيته للكتاب الذي بين أيدينا، وذلك في مقدمته الضافية التي صدر بها الترجمة العربية لكتاب من يتحدث باسم الإسلام "كيف يفكر –حقا– مليار مسلم؟" وهو الكتاب الذي حمل إلى القارئ الأوروبي نتائج أكبر استطلاع رأي عالمي حتى الآن؛ حيث مر الاستطلاع –غير المسبوق- بآراء مسلمي 35 دولة إسلامية.



مع المؤلفين


تأتي مصداقية الكتاب من أهمية كاتبيه على الصعيد الإسلامي وعلى الصعيد العالمي؛ حيث يمثل "جون أسبوزيتو" أحد أهم الأساتذة الأمريكيين المنشغلين بالشأن الإسلامي، وله في هذا المضمار ما يقرب من 35 مؤلفا عن علاقة الإسلام بالسياسة والتطرف والإرهاب والديمقراطية... إلخ، وأسبوزيتو من أكثر الباحثين الغربيين الساعين إلى التصالح مع الإسلام والمسلمين.



أما السيدة "داليا مجاهد" التي اشتركت معه في تأليف الكتاب ورأست فريق المحللين الذين أشرفوا على الاستفتاء فهي المديرة التنفيذية لمركز "جالوب" للدراسات الإسلامية، والذي يسعى بدوره إلى التوعية بحقيقة التفكير الإسلامي في كل أنحاء العالم، كما أنها أحد الأقلام المعروفة في الإعلام الغربي.



المسلمون في هذه الدراسة ليسوا جيوشا تشهر السيوف وتمتطي الخيول التي تتحفز للانقضاض على الغربيين "الكفار"، وليسوا جماعات إرهابية "نائمة" تتحين الفرصة لإشاعة الخراب والدمار والترويع بين الغربيين، وليسوا كائنات أدمنت قهر النساء وإبقاءهن في سراديب "الحريم"، ولكنهم مخلوقات طبيعية لا علاقة لها بالصورة السلبية المرسومة لهم في الإعلام الغربي قبل أحداث 11 سبتمبر وبعدها.



يخاطب الكتاب القارئ الغربي المعبأ ضد الإسلام والمسلمين بكم هائل ومتراكم من المعلومات المغلوطة والصور النمطية الزائفة، ويحاول في لغة -هي أقرب في معاييرها إلى المنطق الغربي- أن يضع أمام العقل الغربي جملة من الاكتشافات والحقائق التي تمكنه من الوقوف على حقيقة الإسلام والمسلمين، التي غابت عن وعيه وإدراكه طوال قرون مضت.
الكتاب يمنح الجميع زاوية جديدة للرؤية غير المشوشة بما يقدمه من معلومات موثقة تكشف للعالم أن المسلمين ليسوا بهذا البؤس الذي يروج له.



نحن نكره المسلمين!!

هل تكون التصورات السلبية والعنف المتزايد من جميع الجوانب مقدمة لحرب شاملة محتومة بين الغرب و1.3 مليار من المسلمين؟
الإجابة على هذا السؤال تستلزم معرفة آراء الطرفين في بعضهما البعض، والوقوف على حقيقة هذه التصورات السلبية المتبادلة، ومدى فاعليتها داخل المحيطين الغربي والإسلامي على السواء.



في هذا الإطار يأتي استفتاء "جالوب" في جريدة (U.S.A Today) ليكشف عن مشاعر أغلب الأمريكان تجاه الإسلام وأهله، بل تجاه مواطنيهم وجيرانهم من المسلمين الأمريكيين؛ حيث طالب عدد كبير من الأمريكيين بزيادة وسائل الأمان من جهة المسلمين للمساعدة في منع الإرهاب!!.

كما وجد الاستفتاء نفسه أن 44% من الأمريكيين يقولون إن المسلمين متطرفون جدا في عقائدهم الدينية، بينما يرفض 22% منهم أن يكون أحد من المسلمين جارا له، بالإضافة إلى اعتقاد أكثر من 50% من الأمريكان أن المواطن الأمريكي المسلم لا يدين بالولاء للولايات المتحدة الأمريكية!!.
رأي المسلمين



وينتقل الكتاب من استفتاء "جالوب" في الولايات المتحدة إلى الاستفتاء الذي يعد الأكبر والأشمل في التاريخ الإسلامي المعاصر؛ حيث أجرت المؤسسة مسحا شاملا لعينة تمثل أكثر من 90% من 1.3 مليار مسلم في العالم بحثا عن إجابات وافية لبعض الأسئلة التي تتعلق بتفاصيل العلاقة بين الطرفين: ما هو أصل العداء للأمريكيين في العالم الإسلامي؟ من هم المتطرفون؟ هل يريد المسلمون الديمقراطية؟ ما الذي تريده النساء المسلمات حقا؟... إلخ.
وكان من نتائج الدراسة الضخمة التي كشفت عن نظرة "عوام" المسلمين إلى القضية كما أوضحتها "جالوب": وهي أن المسلمين لا يعتبرون الغرب وحدة واحدة، وهم ينقدون البلاد أو يرفعون من قدرها بناء على سياستها، وليس بناء على ثقافتها أو ديانتها
وعند سؤال المسلمين لكي يصفوا أحلامهم في المستقبل، فإنهم لم يتحدثوا عن الحرب أو الجهاد، وإنما تحدثوا عن الحصول على وظيفة أفضل!.
رفض المسلمون الهجمات على المدنيين باعتبارها غير مبررة من الناحية الأخلاقية.
المسلمون مولعون بديمقراطية الغرب وتقنيته لكنهم يرفضون الانحلال الأخلاقي وانهيار القيم التقليدية، وهي الاستجابات نفسها التي قدمها الأمريكيون عند سؤالهم نفس السؤال.

تريد المرأة المسلمة مساواة في الحقوق والدين في مجتمعاتها.
يرى المسلمون أن الشيء الوحيد الذي يمكن أن يفعله الغربيون لتحسين علاقاتهم مع المجتمعات الإسلامية هو تعديل آرائهم حول المسلمين، واحترام الإسلام.
يرفض أغلب المشاركين في الاستفتاء أن يكون لرجال الدين دور مباشر في وضع الدساتير، وهم مع ذلك يؤيدون الشريعة الدينية باعتبارها مصدرا للتشريع.



من هم المسلمون؟
ولأن الدراسة تخاطب المواطن الغربي في المقام الأول فقد اهتمت بالإجابة عن بعض التساؤلات البديهية التي لا تخفى إجاباتها على أغلب المسلمين وإن كانت تحتاج إلى مزيد من الإيضاح لدى الطرفين –بطبيعة الحال-فجاء الكتاب في فصله الأول ليتحدث عن المسلمين (سنة وشيعة) وعن تصوراتهم الفكرية والسياسية، وأسباب اختلافاتهم المذهبية، ومواضع وجودهم الجغرافي، وثقافتهم وعاداتهم وأزياء نسائهم.

وشدد الاستفتاء على دور الإيمان في حياة المسلمين، وصدق العامة في مشاعرهم الدافئة تجاه الإسلام كدين؛ حيث يرى الكثيرون ممن شاركوا في الاستفتاء أن الإسلام مؤشر أولي للهوية، ومصدر للمعنى والإرشاد والعزاء، وعامل أساسي في تقدمهم المنشود.وترغب الأغلبية من الرجال والنساء جميعا في كثير من البلاد التي تغلب عليها نسبة المسلمين أن ترى المبادئ الإسلامية –الشريعة– مصدرا للتشريع.


الجهاد


توقفت الدراسة عند الأركان الخمسة للإسلام توحيد وصلاة وزكاة وصوم وحج، إلا أنها أدرجت في هذا السياق كلاما مهما عن الجهاد عند المسلمين، وهو ما يعكس اهتماما وشغفا بالغين عند المواطن الغربي للتعرف على تفاصيل هذا الملف عند المسلمين.
وأكدت الدراسة على الطبيعة الدفاعية للجهاد مشيرة إلى قول الله تعالى (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ).



وأوضحت موقف علماء المسلمين من الراديكالية الإسلامية، والتي تعد في التصور الإسلامي العام قراءة خاطئة للقرآن الكريم، لافتة إلى أن الجهاد الأكبر عند المسلمين هو جهاد النفس لا جهاد السيف.

وأشارت الدراسة إلى نقطة بالغة الأهمية بالنسبة للمواطن الغربي، وهي أن لفظة "الجهاد" لم تأت في القرآن الكريم في أي موضع من المواضع يساوي أو حتى يقترب من معنى الحرب المقدسة، بل إنه يعني الكفاح والنضال من أجل حياة فاضلة دون إضرار تعسفي بالآخرين.


المسلمون أعداء الديمقراطية!
يتعجب جون أسبوزيتو -في الفصل الثاني من الكتاب- من الصورة العامة الشائعة في العالم الغربي عن علاقة المسلمين السلبية بالديمقراطية!! وأوضح أسبوزيتو أن جماعة متنوعة من موظفي الحكومة وأعضاء الكونجرس والنقاد تردد آراء الخبراء الأكاديميين من أمثال "صمويل هنتجتون" و"برنارد لويس" التي تحذر من أخطار صدام الحضارات مشيرا إلى المناخ السياسي العربي المتأزم الذي يهيئ التربة الصالحة لتصديق هذه المزاعم النظرية التي لا تستند على أساس علمي، وإن بررها الواقع ودعم وجهة نظر أصحابها.

وينفي أسبوزيتو أن يكون الإسلام "الدين" هو السبب في غياب الديمقراطية في العالم العربي، لافتا إلى تطلع الكثير من المسلمين إلى الحكم الديمقراطي، كما أكدت الاستفتاءات في كثير من الدول الإسلامية، والتي ذهب أصحابها إلى إمكانية أن يتحقق ذلك وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية السمحة.

ويرى أسبوزيتو أن غياب الديمقراطية في العالم الإسلامي يكمن في التاريخ والسياسة لا الدين؛ حيث عاش الكثير من المسلمين قرونا عديدة تحت حكم الاستعمار الأوروبي الذي قسم بلادهم إلى حدود اعتباطية لا تعبر عن الحقيقة الحضارية والتاريخية لهذه الشعوب، وهو ما تسبب في دول من الأمم الضعيفة يحكمها أناس لا يمثلون شعوبهم، ومن ثم راجت ثقافة الاستبداد.



المسلمون والديمقراطية


هناك مدارس فكرية متنوعة فيما يتعلق بالديمقراطية والإسلام؛ حيث تذهب الأقلية –حسب الدراسة– إلى أن الديمقراطية مفهوم أجنبي، وأن السيادة الشعبية وثنية؛ لأنها تنكر السيادة العليا لله تعالى!!.


وتشير الدراسة إلى أن الأغلبية المسلمة ترى العكس وتتطلع إلى الحريات وحقوق النساء وتدعمهما، محيلة إلى المفكر السوداني والدبلوماسي السابق عبد الوهاب الأفندي الذي يؤكد أن سيادة رجل واحد تتعارض مع سيادة الله تعالى كما جاء في عقيدة التوحيد.

وفي سياق متصل تشير الدراسة إلى مفهوم الشورى في الإسلام، وترى أن إضافة هذا المفهوم إلى فكرة الإجماع -وهو من مصادر الأحكام في الفقه الإسلامي- يعد آلية ناجحة في دعم البرلمانات والمجالس القومية النيابية.



هل يكره المسلمون الغرب؟


هذا السؤال الغريب أثير مباشرة بعد أحداث أيلول، وقد ظلت الإجابة لدى بعض السياسيين والخبراء في الولايات المتحدة: "إنهم يكرهون طريقتنا في الحياة، وحريتنا وديمقراطيتنا ونجاحنا".

وترد الدراسة على هذا الاعتقاد الخاطئ بأن تقديرات المشاركين لكل دولة غربية منفردة يكشف عن صورة مختلفة؛ حيث تتنوع الآراء عند الشخص الواحد وتختلف باختلاف الدولة موضع التقييم ويفرق المسلمون بشكل واضح –حتى الراديكاليون منهم– بين دول الغرب الصديقة والدول التي تحمل عداء للعالم الإسلامي.



قمع المرأة المسلمة


إن التصور الشائع على نطاق واسع بأن النساء يتعرضن للقمع كان من المبررات المستخدمة لدعم غزوات العراق وأفغانستان جميعا في سبيل تخليص العالم من خلايا الإرهاب، والسؤال الذي طرحته الدراسة في هذا السياق هو: كيف تتصور أغلب النساء في العالم الإسلامي الإسلام ومكانتهن في المجتمع الإسلامي؟ هل يشعرن بالحاجة إلى التحرر؟ ولو كان الأمر كذلك، فالتحرر من ماذا وإلى ماذا؟


ويجيب "جالوب" بأن أغلب النساء في العالم الإسلامي يتمنين حقوقا قانونية متساوية مع الرجال:
ففي السعودية مثلا حيث لا يسمح للنساء بالتصويت! تقول أغلبية النساء (76%) أنه من الواجب أن يسمح للمرأة بالتصويت مثل الرجل كما تتمنى 61% من السعوديات أن يقدن السيارة بأنفسهن منفردات.


وفي مصر: ترغب 88% من النساء المصريات في العمل بأي وظيفة ينجحن في التأهل لها دون قيود.
أما فيما يتعلق بوجهة نظر النساء المسلمات في وضعيتهن الشرعية فإن الاستفتاء يوضح كيف تحترم المرأة المسلمة دينها، وتحمل له مشاعر حب حقيقية؛ حيث رفضت 58% من العراقيات فصل الدين عن الدولة، وأكدت 81% منهن ضرورة التدخل الديني في صياغة القانون العائلي.


وفي سؤال عن أكثر ما يعجب المسلمات في مجتمعاتهن جاءت الإجابة "الإيمان، والإخلاص، والارتباط بالعقائد الإسلامية، والتمسك بتعاليم الإسلام واحترامها".
* صحفى فى موقع مدارك - اسلام أون لاين